دراسة تشرح أسرار الاستعمال اللفظي للموت والمرض

دراسة تشرح أسرار الاستعمال اللفظي للموت والمرض
أسرار الاستعمال اللفظي للموت والمرض
https://www.sba7egypt.com/?p=247169
شيماء اليوسف
موقع صباح مصر
شيماء اليوسف

وانطلاقا من كلام الدكتور أنيس نصل في النهاية إلى التمييز بين نوعين من الاستعمال، استعمال طولي: وهو تاريخ الدلالة منذ أن استولدها الاستعمال إلى أن تولى خمود مجمرها إلى الأبد وقد تستدعى وتبعث من رقادها، كانتقال لفظة اللحن من الدلالة على اللهجة أو اللغة إلى الدلالة على النغم الموسيقي، وما اعتراها في طريقها من هذا إلى ذاك.. تلك هي الرؤية النقدية التي طرحها الباحث ابراهيم مصطفى محمد، معلم لغة عربية بالسويس في دراسة خاصة، تنفرد “صباح مصر” بنشرها.

أهمية الاستعمال العرضي للألفاظ

استعمال عرضي: وهو فترة بعينها من حياة الدلالة شاع فيها استخدامها على صورة معينة غلبت على لفظها في ذلك الجيل، كاستعمال ذات اللفظ (لحن) في العصور الإسلامية بمعنى الخطأِ في اللغة.

استقرار الدلالة اللغوية في الألفاظ

ونرى أن الأول يكون أكثر عرضة للتغير من الثاني، ذلك أن الألفاظ تتحرك فيه بشكل طولي ممتد، تنتقل من استخدام عبر آخر إلى أن تستقر الدلالة في لفظة معينة وتلتقي بسياقات عديدة، أما الشكل الثاني فإنه يرصد فترة وجيلا من حياة الدلالة وصورة واحدة كانت عليها ليس لها مجال فيه لتتغير، إنما هي ذائعة بما تعنيه في الأخلاد، ولا زالت قادرة على سد ما استدعيت له.

ألفاظ المواقف واستعملاتها

والاستعمال في طياته ينطوي على عملية خفية بعض الشيء لكنها وثيقة به في الارتباط، فهو يعتمد على الاستدعاء كأنه يمسك زكيبتين من الخيش إحداهما تحتوي على الألفاظ والأخرى تضم الدلالات ثم يستخرج لفظة ودلالة كالحمامة والرسالة ليرفقهما معا إلى السماء فمتى نطق اللفظ حضرت دلالته في الذهن، ويؤكد فندريس على تلك بقوله”وإن الكلمات توجد مستقلة عن جميع استعمالاتها تتشكل حسب الظروف التي تستدعى فيها” لكن يستدرك بعد ذلك خشية اللبس فيقول”والكلمة في الذهن مسجلة مع كل الحالات السياقية التي استخدمت فيها سابقا”أي أن تعريضه ينوه بأن الكلمات والألفاظ والمواقف لا تستدعي دلالة بعينها جزافا، إنما لسياقات سجلت بها ودلالات مشابهة لما في السجل الدلالي عنها.

عوامل يجنح لها الاستعمال اللفظي

نعود مرة أخرى إلى الدكتور أنيس الذي نراه قد وقّف ثلاثة عوامل يجنح إليهم الاستعمال في حركة سير الألفاظ ودلالاتها ويؤدي بهم دوره في التطور بوضوح، ونحن في بحثنا نظنها تقع تحت النوع الأول من الاستعمال (الاستعمال الطولي)؛ لأنه كما أشرنا عرضة للتغير والتبدل من حال إلى حال، أما النوع الثاني فإنه يدرس ثبوت الدلالة على صورة معينة في عصر معينة، وهذه العوامل هي:

1 – سوء الفهم: يلعب سوء الفهم دوره داخل الاستعمال عن طريق تسليط الضوء على الدلالة بشكل مغاير للسياقات التي وردت فيها سابقا، ولما هو مشابه لها عندنا، وذلك النوع يقيد اللفظة بدلالة معينة قد لا تمت لها بصلة قريبة أو بعيدة، إنما تكون على أساس التوهم والقياس الخاطئ لما هو جديد علينا بما هو قديم في ذهننا.

القياس الخاطئ للألفاظ

ويقول الدكتور أنيس” وليس سوء الفهم حقيقة نتيجة إلا لتلك العملية الذهنية التي تسمى القياس الخاطئ، والتي تلازم كلا منا في مراحل حياته بين الكبار والصغار، ذلك لأننا نعتمد في فهم ما نسمع وما نقرأ على ما سبق لنا سماعه واخترناه في الذخيرة اللفظية، وما تلقيناه عن طريق المشافهة، وما تعلمناه من لغة أهلينا، فيقوم كل منا باستنباط الجديد على أساس القديم”.

واستشهد على ذلك بالطفل ولعبته حين يسمي (الفرملة) في سيارته (وقافة)، كما تفسر لنا العملية اعتبارنا كلمات كالمستشفى مؤنثة، وعلى أساس هذا القياس قد تصاب الدلالة بالشيوع والانتشار بين الناس فتتغير الدلالة من صورة إلى أخرى.

الاستعمال الإنساني للألفاظ

٢ – بلى اللفظ: من المعروف عن الاستعمال الإنساني في شتى أشكاله أنه يؤدي إلى التهالك والبلى مهما كان من صمود الأداة المستعملة، وباعتبار اللغة أداة إنسانية، فإن اللفظ يتهالك في الأفواه على كثرة استعماله، أو من الممكن أن يلحق به تغير في شكله ربما راجع إلى التطور الصوتي، مما يؤدي إلى تغير شكله فيشتبه مع لفظ آخر فيعد من المشترك اللفظي.

واستشهد أنيس على ذلك بكلمة ” السغب ” التي تعني الجوع الشديد والفقر لما تطورت سينها إلى تاء فصارت “التغب” بمعنى الدرن والوسخ، وذلك التطور يجعل اللفظ الواحد له دلالاتان أو أكثر نتيجة لبلى اللفظ القديم عن طريق التطور الصوتي.

صور الكلمات ودلالتها

فكثيرا ما تتطور صورة الكلمات ويتبع هذا تطور في الدلالة، وقد تفنى الكلمة تماما خاصة إذا كانت قصيرة البنية، وعلى ذلك يستشهد فندريس بكلمة “os” بمعنى فم في اللغة اللاتينية والتي لم يعد لها وجود في أي لغة مشتقة حتى عن اللاتينية.

3 – الابتذال: وتتلخص إصابة الكلمة بالابتذال في نقاط أشار إليها أنيس مثل:
– الظروف السياسية التي يترتب عليها الحط من ألقاب ورتب اجتماعية مثل (أفندي بك باشا).

ألفاظ النفسية والاجتماعية

– ألفاظ تتصل بالناحية النفسية أو الاجتماعية والعاطفية أو تحمل إيحاءات جنسية أو قذارة ودنس فتنحط اللفظة وتبتذل مثل(بربور والتي كانت تعني قديما الحشيش البري إلا أنها انذوت إلى ألسنة العامة، وصار بستعاض عنها بالمخاط)، كما استعاض القرآن الكريم عن علاقة الرجل بامرأته بألفاظ مهذبة مثل”الحرث”،”المباشرة”،”الإفضاء” ولحق التحاشي لفظة مثل (النكاح) في العرف الاجتماعي.

دراسة ألفاظ الموت والمرض

– الألفاظ التي تتصل بالموت والمرض يتم تحاشيها أو تتغير دلالاتها مثل”الهلاك” والتي لم تكن تعني سوى الذهاب واكتسبت قدرا كبيرا من الدلالة على الموت، كذلك الأسماء التي يصحبها التطير والشعور بالخوف كأن يخشى الطفل مثلا ذكر اسم أبيه لهيبته أو الخوف من التلفظ بأسماء العفاريت والأشباح في البيئات البدائية، ويترتب على كل ما سبق أن تحل ألفاظ محل أخرة وتتطور الدلالات وترثها ألفاظ مغايرة لما ولدت ونشأت فيها ويكون كل ذلك نتيجة الاستعمال.

 

إقرأ أيضا