ابراهيم مصطفى يشرح أسرار علم اللغة العربية التاريخي في حوار خاص

ابراهيم مصطفى يشرح أسرار علم اللغة العربية التاريخي في حوار خاص
إبراهيم مصطفى محمد
https://www.sba7egypt.com/?p=246696
شيماء اليوسف
موقع صباح مصر
شيماء اليوسف

قدم الشاعر والباحث ومعلم اللغة العربية إبراهيم مصطفى محمد، دراسة في التطور الدلالي، والتي تهتم بالركن الكائن في علم الدلالة المندرج تحت علم اللغة التاريخي، وهي دراسة في عوامل تشكيل هوية الدلالة ودورة حياتها من النشأة حتى خمودها، والعوامل المساعدة على ذلك والملامح العامة في مراحل تطورها، تحت مبدأ “دورة حياة الدلالة” وهو عرض لملامح تكوين الدلالة وتقريب العدسة عليها ووضعها تحت المجهر والتنقل معها لحظة بلحظة في مراحل حياتها نموا وضعفا، وكان لنا هذا الحوار معه.

إلى أي مسار وجهت دراستك البحثية؟

ولقد وجه البحث لرد الدلالات المعجمية إلى سياقاتها والكشف عن المواطن التي يمكن أن يستريح المنطق لها في درس الدلالة، مما يعكس إلحاح النفس دائما لفهم ما تقوله وتتلفظ به.
ونحن في عملنا هذا لسنا راجعين غير وجه الله تعالى ونسأله اللهم أن ينفع به وأن يغفر لنا تقصيرنا في حق العربية كسوة دعوته، وحلية آيته

كيف تدرجت اللغة حتى وصلت إلينا؟

إن اللغة التي لم تولد بعد هي لغة تعرف الثبات والجمود، ذلك أنه ما من لغة لا تتحرك ولا تسير إلى الأمام ولا تخضع لقانون الارتقاء، وليست اللغة فحسب بل إنه ما من نتاج إنساني لا يسير ولا ينمو، وقد شغل ذلك المبحث تحديدا رؤوس علماء اللغة في الحقب السالفة إلى يومنا الحاضر؛ للوقوف على الطور الأول للدلالة اللغوية والتعرف على المحطات التي تنقلت ما بينها اللفظة للوصول إلينا على شكلها المعهود اليوم.
وهو شكل يقع من بعد آخر تحت ما نسميه “أن يعرف المرأ ما يقول، لا أن يقول ما يعرف ويكتفي به”، لأننا في حاجة إلى توليد دلالي كل يوم، بل وكل ساعة، بل وكل لحظة، ذلك أن الدلالات تغلغلت بكل السبل حتى في رذاذ المرأ حين يعطس.

ما الذي تستهدفه من دراستك البحثية؟

نريد ربط الحقب اللغوية عبر الزمن ببعضها البعض، وتضييق الفجوة التي تهاوت بيننا وبين ما يسمى ب”عصور الاحتجاج اللغوي”، والتقرب أكثر من نشأة اللغة، فإننا اليوم إذا وقع واقع تحت طائلة اقتراف الخطأ، ترى الكريم منَّا يقول للمقترف”عفا الله عما سلف”، أما الجبار فإنه يقف موقفا مغايرا ويثور ثورة الثيران أنه (سينال منه)، وهكذا تتولد الدلالات لنقف اليوم على أن العفو هو التجاوز والصفح عن الزلات، والنيل يقوم مقام الانتقام والأخذ بالثأر.
لكنك حينما ترجع بظهرك إلى العصر الأول للدلالة ما قبل الإسلام وتهذيبه اللغة، تجد الموقف يتغير وترى الدلالتين يقعان في موضع مغاير تماما، فترى ذلك المتأثر برحيل الأحبة وهجرهم الدار يقف قائلا: فتوضح فالمقراة لم يعف رسمهم لما نسجتها من جنوب وشمألِ.(١)
وتلمح للدلالة الثانية موضعا مختلفا آخرا أبعد نسبيا عما قيلت فيه، فيقول ذات القائل:
كلانا إذا ما نال شيئا أفاته ومن يحترث حرثي وحرثك يهزلِ.
وهكذا فاللفظة الأولى نجدها انتقلت -ولو نسبيا- من (المسح ومحو الآثار)، إلى (الصفح والعفو والغفران)، وترحلت الثانية من الدلالة على(الأخذ والحصول على الشيء)، إلى (الانتقام والثأر).

ما الذي دفعك إلى اختيار هذا الموضوع؟

فإننا في سياق البحث نود توفير الجهد من الغرق في الدلالات المعجمية إلى ردها لسياقاتها التاريخية التي هي أفصح من آلاف المعاجم المكدسة، ذلك لأنها تنطق بأصوات أهليها مما يبلور معنى في الذهن أدق وأقصى من الدلالات المعجمية.
إذن فهي محاولة لوضع اللفظة والمعنى تحت المجهر والمنظار، نرى في العصر الجاهلي وما قبله كيف ولدت ثم تنقلت إلى العصر الإسلامي وما طرأ عليها في لسان بني أمية، وما استحدث فيها وهي مؤلفات بني العباس، وما أصاب ملامحها في عصور الدول المتتابعة إلى أن وطأت العصر الحديث وما ألزمته لها المدارس الأدبية والتغيرات الاجتماعية والسياسية، ثم قفزت بعد كل ذلك على ألسنة العامة؟

ما هي العوامل التي جعلت اللغة تتناسب مع العصور؟

ونحن لسنا في صدد حصر الألفاظ العربية ودلالاتها عبر التاريخ إلى اليوم، إن ذلك يتعذر علينا بكل السبل ويتخطى بنا إلى أن تولد دلالات جديدة ونحن نحصي في قديمها، فهناك دلالات حديثة المهد مثل: “الورشة”، ودلالات ماتت في الأساس مثل: “الوأد”، و إنما نطمح بالوقوف على اثنتين:
أن نحدد العوامل التي لعبت دورها في تشكيل الدلالة تشكيلا جديدا يتناسب مع معطيات العصر الواردة فيه، ونقف على أسس عامة تصلح للتطبيق على دلالات أخرى غيرها.
أن نحدد المسالك التي سلكتها الدلالة وأفضت بها إما للوصول صحيحة، ميتة، أو متغيرة بعض الشيء.

ما هي علاقة كاظم الساهر بالألقاب الأسطورية؟

نلحظ الآن فيما نحن سامعوه على الألسنة لقب (قيصر) الذي شاع في العصر الحالي للدلالة على كل من بلغ شأنه العظم، وهو لقب لحكام الرايخ الألماني حتى القرن العشرين، ثم انتقل إلى الروسية في صيغة مشابهة (Tsar)، وأطلق أيضا على بعض لاعبي كرة القدم الأسطوريين، وبلغ مجالات الفن فلقب به المطرب العراقي “كاظم الساهر”، هذا طبعا وأنا أحدثك من القرنين العشرين والحادي والعشرين.

ما هي دلالة القيصرة في اسم الإمبراطور الروماني؟

فإذا استخدمنا خاصية (Flash back) في البحث اللغوي عن اللقب وقفزنا به عدة أعصر للعثور على هويته نجده شائعا ولصوقا بالأباطرة الرومان، في سالف الدهر خلال الصراع الشرس بين أكاسرة الفرس وقياصرة الرومان، ثم نتقهقر بذات الخاصية لنعثر على ذلك الرجل الإمبراطور الروماني الأكبر الذي عُدَّ أول من يطلق عليه هذا اللقب وهو “اغسطس قيصر”، فيسأل سائل: وما دلالة القيصرة في اسم الإمبراطور الروماني؟!

هذا ما تجيب عنه حروبه وغزواته وتوسعاته التي حفلت بعهود سوداء من بقر بطون الحوامل وشقها، وما شهدته مصر والشام وأجزاء من آسيا على يد ذلك الطاغية.

في رأيك بأي شيء نستدل على مولد القيصرية؟

إذن نرى مولد القيصرية كان على يد دلالة الشق والقطع، ونجد الفعل ذاته في اللاتينية يعني ويقصد ذات المعنى، ثم أخذت منحى آخر وتطورت حتى وصلت لنا في صورة عربية متداولة في علم الطب وهي “الولادة القيصرية”،إذن فالمصطلح هنا يحده مسلكان من النشأة، إما أنه نشأ وتطور على الشق عموما حتى وصل إلى الطب الحديث فاقتصر عليها، أو أنه وصل إلى الطب الحديث أيضا بشكل قيصرية شق البطون، ومن هذا إلى ذاك نحن لا نبحث فيهما إلا عن شكل التطور الذي نسميه “دورة حياة الدلالة”.

ما المقصود بحياة الدلالة؟

فانظر تراها ولدت بشكل موجه حتى استقرت منه على آخر في هذا العصر، والمقصود بدورة حياة الدلالة: هي جملة من الالتقاءات التي تسير على مسالكها الدلالة عن طريق الاستعمال إلى أن تصل في النهاية منقولة من شكلها وطورها الأول في شكل وطور جديد نتيجة الاستدعاءات في سياقات عدة لسد حاجة التعبير اللغوي.
وإن دورة الحياة هنا لأي كائن تبدأ بنشأة وإعداد جيد، ثم نمو وازدهار وشباب، ثم ضعف وخفوت، وحسبنا إخضاع الدلالة في دورتها على ما تخضع له قوانين الكائن الحي، إنما نحن نشبه فقط للتمثيل وتقريب الصورة من الذهن، لكن دورة حياة الدلالة تقتصر على استعمالاتها وانتشارها ولها قوانين خاصة.

 

إقرأ أيضا