تاريخ اللغويات العربية في العصر الأموي

تاريخ اللغويات العربية في العصر الأموي
تاريخ اللغويات العربية في العصر الأموي
https://www.sba7egypt.com/?p=247680
شيماء اليوسف
موقع صباح مصر
شيماء اليوسف

وإن الاستعمال ليسد حاجة دلالية ما قد يستدعي أو دعنا نقول قد يستعير ألفاظا ويلد ألفاظا جديدة على حين غرة، وذلك لشدة ما يلقى عليه من أعباء عليه أن يكفيها وإلا أعلنت اللغة إفلاسها، فمثلا أول ما ألقى العصر الأموي ظلاله وشرع كل من يملك علما في تقعيده احتاج الاستعمال إلى طفرة هائلة من الألفاظ لكسوة الدلالات الجديدة الوافدة من العلوم الشرعية واللسانية والبلاغية والأدبية والعلوم الطبيعية إلى آخره ليضمن لدلالاتها الكفاءة في الاستعمال والحفاظ على ديمومتها وبدأ دورة حياتها، فعمد الاستعمال تارة إلى أن يلد ألفاظا مثل: النحو العروض القلب الإبدال المديد الطويل الإعراب وغيرها من ضروب التصريف والإعراب، ويقول جورجي زيدان” حتى لقد أصبح للفظ الواحد معنى فقهي وآخرعروضي ومعنى نحوي وآخر ديني إلى ما لا حصر له من الدلالات، وهذا ما قدمه الباحث ومعلم اللغة العربية ابراهيم مصطفى محمد.

ألفاظ الضرائب والمصطلحات الإدارية

ودخل اللغة كثير من الألفاظ والمصطلحات الإدارية كالخلافة، الوزارة الحجابة الإمامة الديوان المسترزقة الزحف الكر الفر وأسماء الدواوين ولاية ضياع عاصمة حكومة ثغور جباية إقليم ضرائب.

وأكثر هذه الألفاظ كان موجودا لكن تطورت وتطورت دلالتها بتغير أحوال العرب وثقافتهم ومجرى الاستدعاء والاستعمال.”

ثانيا: الشيوع والذيوع.

خلصنا من العرض السابق إلى أن الدلالة على يد الاستعمال يتحقق لها ثلاث:
– إما أن تولد دلالات جديدة وألفاظ جديدة.
– أو تستكمل اللفظة ودلالتها مسيرتها حتى يتحقق لها الشيوع.

– أو يحكم عليها بالموت نتيجة الابتذال والبلى.
والنقطة الأولى قد التفتنا إليها في مواطن عدة سابقة، والثالثة لها فصل في شرحها خاص بها، وإن حديثنا يتمحور حول النقطة الثانية، يقابلنا سؤال في مستهل الحديث يقول:

هل الشيوع والانتشار الدلالي والاستعمال وجهان لعملة واحدة؟

الجواب لا، وهو في رأيي على تفسيرين: أولهما أن شيوع الدلالة يعتمد في الأساس على اللفظ المستعمل، أي أنه نتيجة استعمال اللفظ المتكرر في ذات السياق للدلالة على شيء معين، بدءا من إيجاد الاستعمال للفظة ويكون حيزها الدلالي ضيقا في التعبير فقط على ما وجدت له وفيه، ثم يشرع الأفق الدلالي للفظة في الاتساع رويدا رويدا لأنها نسخت من سياقها الأول إلى سياقين إلى ثلاثة إلى ما لا نهاية لها من السياقات التي ترجح لنا ما نسميه ب”الخبرة الدلالية للفظ”.

أما الثاني: فإنه يرد الشيوع إلى الاستعمال على أنه جزء منه، أي أن انتشار اللفظة على الأفواه ليس إلا استعمالا في صورة متكررة، وفي هذه الحالة ليس الاستعمال كالشيوع والذيوع.

وفي خضم الحديث يقابلك سؤال سيبدو بسيط الجواب للوهلة الأولى، إلا أن حجم ما يسأل عنه سيقودنا إلى فتح باب يعد جديدا من نوعه في مناقشة الدلالة، يقول السؤال:

كيف يتحقق الشيوع والذيوع للفظة ودلالتها؟

إذا التفتنا مع الدكتور أنيس في إجماع الباحثين أن نشأة الدلالة أصلها كان في بواطن المحسوسات ثم تطورت بتطور ورقي العقل الإنساني إلى دلالات مجردة، وبعدها مال العقل الإنساني إلى استخلاص الدلالات والمعاني المجردة وتوليدها والاعتماد عليها في الاستعمال، فإن ذلك الفرض يقودنا منطقيا أن ذات العقل الذي قام بتجريد الدلالات واستخلاصها قام أيضا بعملية رد والتقاء لما جرده أثناء استعماله.

فذلك فرض، والآخر: أنه ما دام هناك إدراك عقلي يقوم باستخلاص مفاهيم ومعاني من كل ما تقع عليه عينه كالحسن من القمر، وما تمسه يده كالخوف من لدغة العقرب، وما تستنشق الأنف كالرهافة من رحيق الورد والتي ستقفز على حد السيف بعد قليل، والحلاوة من مذاق السكاكر على اللسان، والطرب من سماع أغاريد الطير، فلم لا يقودنا كل ذلك إلى أفق وجزء دلالي يشرع العقل في تخزين الخبرات والمعاني المستخلصة فيه ليطلق عليها الدلالة ثم يستردها في موقف رد والتقاء أثناء استعماله؟!

مستخلص هذا المبحث

وإنك معي في ذلك لو تأملت خبرة الخوف عند ثلاثة من الأشخاص مختلفين ربما تجد أحدهم يعزوها إلى خبرة خاصة به، فواحد يرجئها للأماكن المظلمة، وآخر من للأماكن شديدة الارتفاع، وثالث من الزواحف مثلا، ففي النهاية يتحد الثلاثة أن ذلك الخوف مجرد والمجرد من سماته الاتفاق عليه، وإذا أكملنا نجد كلا منهم يختزن خبرته الخاصة عن الخوف مع مسحة صغيرة مما وجد فيه، فالأول في فقده عزيزا عليه سيرى الدنيا أظلمت من حوله، والثاني في خوفه من الإقدام على فعل عظيم سيشعر وكأنما يقف على مكان علِ، والثالث حينما تقع له نائبة سيشعر كما لو أنه قد لدغ من عقرب أو أفعى، ذلك نتيجة ما أشرنا إلى أن الدلالة تولد مقتصرة على حرفية ما تشير إليه ثم تتطور وترتقي إلى دلالة مجردة.

إذن سنخلص مما سبق أن الدلالات والمعاني تنفصل من المحسوسات، ولا يمكن لك رؤية حذاء في بيتك مثلا إلا ومعه دلالة على معنى معين كأن يكون هذا هو موعد عودة أبيك من العمل مثلا، وهذا ما سنشرع في إثباته في ركن الالتقاء.

 

إقرأ أيضا