عناصر وأشكال الالتقاء الدلالي في اللغة العربية

عناصر وأشكال الالتقاء الدلالي في اللغة العربية
عناصر وأشكال الالتقاء الدلالي في اللغة العربية
https://www.sba7egypt.com/?p=247683
شيماء اليوسف
موقع صباح مصر
شيماء اليوسف

في نطاق ما سبق عملنا على تصوير انفصال الدلالات وتجردها في إدراك العقل الإنساني، وافترضنا بعد ذلك لها حيزا وجانبا عقليا تعمد إليه لحين استدعائها مرة أخرى، أما على الجانب الآخر مثل الحياة اليومية للفرد فإنها لا تخلو من الملابسات والتعاملات فالمرأ ليس بصخرة ، وإن الصخر أيضا يعد محط تعامل، فلو صح لنا التعبير يمكن أن نقول إن المرأ ليس بعدم، وإن ما يجريه على خفية في استعماله للألفاظ لن يعدو أن يكون ردا لدلالة مجردة من أفقها العقلي إلى موقف محدد ومسجل معها ولو بقرينة حالية ضئيلة، وهذا ما أشار إليه الباحث ابراهيم مصطفى محمد، معلم لغة عربية بالسويس.

فإن أبسط الإيمان لما استشهدنا بالحذاء على عودة الأب من العمل ليس إلا صورة مكررة سالفة عن عادة الأب الذي يعود من عمله في موعد محدد ليخلع حذاءه أمام الباب فيصادف ذلك مثلا عودتك من المدرسة تكرر ما قام به الأب، بهذه الكيفية نشأت عودة الوالد من العمل على الحذاء وقت الظهر مثلا فشرع الإدراك في تلبيس الحذاء دلالة بعدما تجردت عنه مرة عن مرة معه.

الفرق بين المنطق الخاص والمنطق العام

هذا في المنطلق الخاص، أما على المنطلق العام فلو افترضنا أن هناك جيلا كاملا من الآباء والأبناء في مجتمع ما شاع به هذا الاعتقاد، إذن لديك شريحة زمنية من تاريخ اللغة لفظ الحذاء فيها له سياق دلالي يقضي بعودة الأب من العمل إلى جانب الدلالة الأم أن الحذاء هو قالب من الجلد يحيط بالخفين لحمايتهما.
بهذه الكيفية وتكرارها غير قليل في سياقات عدة، تصبح لدينا اللفظة وما يمكن أن نصطلح عليه بالخبرة الدلالية لها، وتلك الخبرة هي سجل ينطوي على جميع السياقات التي ورد فيها اللفظ فيما سبق وتفاعلت معه و أنتجت دلالات جديدة، كلها ما بين دلالات تحقق لها الشيوع ثم انذوت في داخلها مرة أخرى وما تحتمله اللفظة في الأساس من معان أخرى محفزة للقفز على المعنى المركزي واعتلائه لتبدأ مسيرتها.

ونصل في النهاية إلى أن الشيوع هو تغليب أحد الدلالات والمعاني المحفزة داخل اللفظة عليها في حقبة ما، كتغليب عودة الأب من العمل على الحذاء رغما عن دلالته الأصلية التي ذكرنا.

كيف يحدث الالتقاء الدلالي؟!

سنتعامل من الآن على أن الالتقاء هو أن تتخذ الدلالة لها لفظا في فترة من الفترات، مما يجعلنا نعترض سبيل الاستعمال في نقطة هامة هي الاستدعاء فما هو؟!
وهو أن تُردَّ الدلالة إلى الطور الأول الناشئة فيه، أو إلقاؤها في موقف دلالي وسياق مشابه لتتفاعل معه اعتمادا على كفاءتها فيما أدته في سياقها الأول؛ وذلك طبعا بعد أن يكون العقل قد قام بإدراكها وتجريدها تمام الإدراك.

نشأة الخوف

أي أن افتراضنا بنشأة الخوف مثلا من لدغة حية في أحد كهوف البدئي، يجعل المرأ بعد ذلك يستدعي دلالة الخوف عند كل من: رؤية الأفعى، الأماكن المظلمة، هذه الدلالة الحقيقة، فهل تستدعى في موقف مشابه وتظل معه وقد تشيع بذكر لفظ من ملابساته؟ نعم. وهل يمكن أن تحتفظ بهذا الموقف السياقي في باطن لفظها وخبرته الدلالية ثم تستدعى للدلالة عليه؟ نعم. كيف ذلك؟

فرضا جدلا أن هناك شخص يدعى أحمد، وصادف ذات مرة أن قابل فتاة تسمى هند، وقع أحمد وهند معا في الحب وتبادلا المراسلات واللقاءات والهدايا ووعود الزواج، وصار كل منهما يعد الآخر بالخلود معه ويقرءان في بعضهما الشعر ويستمعان إلى أغاني تعبر عن مزاجهما العاطفي ويسهدان الليل حتى الخامسة فجرا إلى أن هاما ببعضهما البعض، وبعد أمّة من الزمن ولسبب ما لم يشأ القدر أن يتزوج أحمد من هند، كرفض الأهل وهذا يكثر أو أن يتعرض أحد الطرفين للموت وما يزيد الأمر سوءا إن تزوج أحد منهما بآخر… فالمهم أن هناك سببا وقف حائلا بينهما وامتنعت هذه الزيجة.

ملابسات الحب

وانطلاقا من هنا نرى لفترة غير قليلة أن كل ملابسات الحب: الوعد، ألحان الزفاف ومشاهدها، اللقاءات في الأماكن العامة، المراسلات، الهدايا، أو ذكر اسم احدهما أمام الآخر، كلها عند الطرفين تستدعي دلالة مغايرة تماما “الخوف”، وذات الحال يكون عند محمد وليلى وأسعد ولبنى وعمرو ومنى وهلم جرا إلى أن تخلف لي جيلا كاملا أستطيع لأرهبه أن أكتب قصيدة بعنوان”وعد”.

وبالاستدعاء هنا جاءت اللفظة بدلالة مغايرة وموقف مغاير، قد تثبت فيه إلى الأبد أو تتغير، وتصير كلمة مثلا “كالوعد” في سائر الأعصر اللاحقة بمعنى الخوف، بل وقد تغلب عليها إلى أن تعتبر كلمة وعد هي حرفيا الخوف ذاته لا تقبل دلالة أخرى، وتنذوي دلالتها الأصلية في طيات الكلمة ويصبح الباحث منا عندئذ ليس أمامه حينما يصادف نصا من الحقبة (س) للغة وردت فيه كلمة وعد إلا أن يترجمها في ذهنه حرفيا إلى الخوف ويبني بناءه الأدبي على ذلك المعنى.

الاستدعاء في الدلالات

وتجدر بنا الإشارة إلى أن الاستدعاء في الدلالات لا يكون خبط عشواء بل إن المعنى المستدعى من باطن اللفظ في سياق محدد ليس إلا أحد الدلالات المحفزة التي ذكرنا والمنذوية تنتظر الاستدعاء لتحتل اللفظ، فشدة الحب بين أحمد وهند التي يصطلح عليها اللغويون وخاصة أبو منصور الثعالبي “العلاقة”، ومتانة الروابط العاطفية بينهما لا بدَّ وانها تحتوي على ولو 1% من الخوف من انصرام وانقطاع هذه الرابطة، وبذلك نمس خطا عريضا من خطوط البلاغة وهو مراعاة الكلام لمقتضى الحال، فما من شك أن الكلام في معرض السياق اللغوي هذا قد يكون لفظة واحدة وأن المراعاة هي جملة الاستدعاءات والدلالات المختلفة الواردة عليه” والحال هو السياق، إذن بالاستناد على المثال السابق يمكننا عمل مخطط كالتالي:
اللفظ
الحال (قبل)
الحال (بعد)

1 – وعد
الاطمئنان
التوجس

2 – أحمد/هند
الابتهاج
الوحشة

3 – لقاء
اللهفة
القلق والاضطراب

 

إقرأ أيضا