المشربيات ولدت في البصرة واستوطنت الأندلس

المشربيات ولدت في البصرة واستوطنت الأندلس
المشربيات
https://www.sba7egypt.com/?p=190190
شيماء اليوسف
موقع صباح مصر
شيماء اليوسف

تكتنز الذاكرة العربية بتركة كبيرة من الإرث المعماري الذي نتج عن تلاقح الحضارات على مر القرون فقد تعاقبت وتلاقت الحضارات العربية والفارسية والعثمانية معاً، لتترك لنا بصمة واضحة في تاريخ الفنون وعلوم البناء على أرضي المسلمين من مشرقها إلى مغربها.

تركت الحضارة الفارسية فنونها العديدة التي تطل في كثير من علوم الأدب والفكر والفلسفة وغيرها، وإن كان قد تكرر اسم حافظ الشيرازي وعمر الخيام في صفحات الكتب التاريخية فكذلك الجميع بمن فيهم الأطفال يعرفون تلك الشخصيات القصصية الأسطورية مثل “شاهبندر التجار” الذي اعتدنا سماع اسمه في حكايات الجدات وألهم كتاب المسلسلات وألهب مخيلة الأطفال على مدى عقود طويلة.

تتالت القصص الفارسية التي تصف السلاطين وكبار القوم وأماكن جلوسهم فكانت كلمة “شاه نشين” التي تصف مكان جلوس الشاه، في شرفة تطل على الشارع والتي أصبحت مع مرور الزمان عنصراً معمارياً يدعى شناشيل.

يمثل الشناشيل عبارة عن شرفات خشبية تبرز الخشب عادة تنوعت ءشكاله فبدأ شرفة ثم أصبحت الشرفة غرفة ورغم اختلاف زخارفها بين المناطق فإنها حافظت على طابعها الخاص حتى مع اختلاف العصور.

بدأت الشناشيل وتطورن عربياً في مدينة البصرة العراقية إلى بغداد العاصمة، وباقي المدن العراقية حتى أصبحت رمزاً للبلاد يتغنى به الشعراء في كثير من القصائد والقصص والروايات.

امتد بناء الشناشيل عبر التوسعات الإسلامية إلى كثير من البلدان العربية نظراً لما يتمتع به هذا الأسلوب من فوائد صحية وأخرى اجتماعية، تبنى المسلمون هذا الفن المعماري وزودوه بعديد من المفردات سواء في مجال العمران ومواد البناء أو في مجال النقوش والزخارف فكانت أشكال نقر الخشب هي ما يميز الشناشيل بعضها عن بعض.

اشتهرت إيران، وبلاد الحجاز بالرواشين ومعناها بالفارسية المكان المثقب وعندما انتشر هذا الفن المعماري في شبه الجزيرة العربية قام العرب بتعريب كلمة روشان إلى مشربية المشتقة من الفعل شرب وتعني مكان الشرب.

يعد المصريون هم أول من استخدم المشربية لتبريد المكان ومن هنا شاع انتشار المشربية في البلدان العربية وخاصة الحارة منها، وكان سبب تلك التسمية هو جرار الماء الصغيرة التي كانت توضع لتبريد المكان بفعل التبخر الناتج عن تحرك الهواء عبر فتحات الواجهة المثقبة وبالتالي زيادة التهوية وتبريد المكان.

لعبت المشربيات دوراً كبيراً في القيم الدينية والاجتماعية وخصوصاً فيما يتعلق بنزعة الخصوصية التي تميز المجتمعات الشرقية إذ أن الواجهات ذات الءشكال الخشبية البارزة من الخارج كانت سبباً لحجب رؤية أهل الدار فكانت تلك الخاصية أساس كثرة استخدام هذا العنصر المعماري في بلاد المسلمين حتى وصل إلى الأندلس.
استخدمت المشربيات في الاندلس باسم الغيور، لكونه يحجب رؤية نساء أهل الدار، استمر الإسبان في استخدام هذا الاسم حتى بعد سقوط الأندلس ولكن بمواد بناء جديدة كالحديد والزجاج مع تطور الأزمان.

أضافت المشربيات قيمة جمالية للشارع القديم فما تؤلفه من نسق معماري ذي أبعاد هندسية أضاف لهوية شواره المسلمين وتقابل المشربيات بعضها مع بعض نن الخارج ينتج ظلالاً للمارة تقلل من أشعة الشمس القوية وحرارتها، وكانت سهولة استخدام الخشب ونحته من العوامل التي ساعدت على انتشار فن المشربيات.