روي أن ثلاثة من أهل العلم من بينهم محمد بن جرير الطبري، شيخ المفسرين وإمام المؤرخين، جمعتهم الرحلة إلى مصر، وأصابتهم آلام الغربى فافتقروا إلى القوت ولم يجدوا ما يمونهم، وأضرت بهم الحال وألحت بهم المخمصة، فاجتمعوا في مكان آووا إليه، ولم يجدوا حيلة إلا أن يسألوا الناس، سواء أعطوهم أو منعوهم.
ولكن أيخرج ثلاثة علماء أعلام يتكففون الناس ويندي ماء جبينهم جميعاً أم يغني أحدهم عن سائرهم؟ فانتهوا إلى ذلك واستهموا بالقرعة فيمن يكون ذلك الذي كتب عليه الذل في هذه المخمصة فخرجت القرعة على الطبري فعلم أنه مقدم على منحة النفس يتقي بها منحة الجوع، فقال: أمهلوني حتى أتوضأ وأصلي.
فاندفع الطبري، يصلي ما يشاء أن يصلي، وكأنخ يستطعم الله بدل أن يستطعم الناس، ويقدم وجهه لله بدل أن يقدمه للناس، وما إن هم بأن ينهي صلاته، ويتوجه إلى الناس حتى جاءتهم هدايا أولي الأمر، وأموالهم، وكأنها المطر يجيء عند الجدب والغوث يجيء عند الاستعانة بالرحمن.