Categories: اخبار مصر

تجربة واحدة جمعت بين المعري وطه حسين

لم يرو أبوالعلاء المعري ولا طه حسين تجربتيهما مع العمى وهي تجربة غاية في الأهمية وكانت تستحق أن تروى صحيح أن المعري وصف في شعره فقده بصره في السجن، كما روى طه حسين نُتفاً عن آفة العمى التي أصيب بها وهو صغير، إلا أن أياً منهما لم يتوسع في روايته ولا تحدث عن أثرها في عمله ككاتب وكيف تسنى له أن يكتب ما كتب، وأن يحفظ ما حفظ وأن يتعايش بالتالي مع آفة تعيق حركة الكاتب في الحياة وتعيق بالتالي حركته مع صناعة التأليف ومنها التقميش والتفتيش عن المصادر والمراجع وترتيب كل ما هو مألوف في هذه الصناعة مما لا يعرفه إلا من ابتُلي بها.

 

يبدو أن انطفاء البصر في العين يُشعله في الحافظة أو الذاكرة التي تستنفر نفسها وتتأجج كما لا تتأجج عند المبصرين وذلك بغرض التعويض عن حاسة فُقدت أو فقدت وظيفتها وهي وظيفة جوهرية بالنسبة إلى الإنسان لا يدرك أهميتها إلا من فقدها.

قال أبو العلاء المعري أن العمى سجن، ولكنه أكثر من ذلك في حياة من فقد بصره إنه حكم بالموت على إن لم يكن هو الموت نفسه، ولعل مثل هذا الوصف هو الذي دفع المعري وطه حسين إلى حالة السلبية والتشاؤم التي رانت على كل منهما في حياته وأدت بهما إلى هاوية العصيان احتجاجاً على ما ابتليا به.

راود الكثيرون تساؤلاً حائراً، يقول كيف أمكن لضرير مثل طه حسين والمعري، أن يحفظا ما حفظا وأن يُلما بما ألما به من فنون الحضارات المختلفة المتنوعة وأن يرتباه متقناً في جوارير، الذات والسريرة وأن يستلا منه عند الحاجة ما يحتاجان إليه كما لو أنهما يعرفان موضعه بالضبط؟

يحار المرء في الأبحاث والدراسات التي أنجزها طه حسين، والتي تتطلب بدورها من المبصر عودة دائمة إلى المصادر والمراجع التي ينثرها على طاولته وعددها أحياناً بالعشرات، فما الذي فعله طه حسين وهو يكتب حديث الأربعاء أو المتنبي، أو سواهما؟ صحيح أنه كان لديه على الدوام سكرتير خاص، وكان مثقفاً كما كان يسعفه كثيراً. لكنه لا يمكن أن يقدم له سوى ما يصطلح على تسميته بأعمال السكرتارية، وهي أعمال إدارية بحتة في العادة في حين يقع على الكاتب أن ينهض بأعباء التأليف وهي أعباء لا يعرفها حق المعرفة إلا من عاناها.

بالرغم من كل الجهد الذي بذله طه حسين، في الكتابة فإن بعض ما كتبه يحتاج إلى مزيد من التدقيق ولا شك في أنه لو لم يبتلى بفقدان بصره، لكان أكثر تجويداً وأكثر راحة نفسية على الخصوص وهذه الراحة من الطبيعي أن تهتز لدى الضرير.

لكن يبدو أن فقدان البصر لا يشعل الذاكرة وحسب، وإنما يشحن الذات بدينامية غربية تؤهله لمقايسة قيم وأفكار كثيراً ما يعجز العاديون من الناس عن الوصول إليها ومسائلتها ومحاورتها على النحو الذي فعله المعري وطه حسين، وكان المعري إذ يغمض عينيه يتيح للروح أن تنصرف على نحو أوفى إلى تفحص الداخل والخارج بأكبر قدر ممكن.

شيماء اليوسف

Recent Posts

محافظ دمياط تشهد استلام ١٨ وحدة من مؤكسدات القلب لصالح مركز القلب والجهاز الهضمى

شهدت الأستاذة الدكتورة منال عوض محافظ دمياط، ظهر اليوم، استلام عدد ١٨ وحدة من مؤكسدات…

5 دقائق ago

رئيس جامعة دمياط يشهد مناقشة رسالة ماجستير بكلية التربية ويتفقد سير أعمال الامتحانات

استقبل الدكتور حمدان ربيع المتولي رئيس جامعة دمياط، اليوم لجنة المناقشة والحكم المشكلة برئاسة الأستاذ…

20 دقيقة ago