ظهور القوميات المحلية وتأثيرها على اللغة العربية

ظهور القوميات المحلية وتأثيرها على اللغة العربية
ظهور القوميات المحلية
https://www.sba7egypt.com/?p=247719
شيماء اليوسف
موقع صباح مصر
شيماء اليوسف

إن اللغة في شأنها شأن الكيمياء؛ استخدام الألفاظ فيها في سياق ما حتما سيتفاعل وتنتج دلالات ربما لا يفطن إليها الذهن في وقتها، لكن المجاز بوصفه درجة الرقي الدلالي للفظ وما تحته من هيبة دلالية وخبرة، يتيح لكل معنى تحته بالتفاعل والالتقاء بموقف مغاير تماما عما نشأ فيه؛ ذلك ليسهم بكل حيثياته في عملية التعبير والإفهام، كان هذا من مما توصل إليه الباحث ومعلم اللغة العربية بالسويس ابراهيم مصطفى محمد.

طريقة استنباط الدلالات اللغوية

وتلك تتأتَّى بعقل لغوي حجة في استنباط الدلالات الكامنة وراء اللفظ مما يسهل عليه التوظيف؛ ولعل تلك لمحة كامنة وراء أذهان أسلافنا من العرب حين كانوا يرضعون أبناءهم في البوادي؛ ليتفصح لسانهم وتدفعهم البيئة الجرداء على تلمس كل ما في اللفظ من دلالة لإفهام المعنى، ومنه إلى مطولات شعرية عرفت بعد ذلك بالمعلقات.

ما الذي يتطلبه المجاز؟

لذا؛ فالمجاز يتطلب من الذهن قدرة هائلة على الانتباه والفطنة، واستخدام لفظ بعيد المرمى، في سياق أبعد منه؛ للتقاطع الناشيء بينهما الذي قد يكون في درجة بعدهما عن التعبير عن أحدهما بالآخر من الأساس، لتظل هذه الفجوة في حيز التقارب شيئا فشيئا، حتى لقد يتحدان اتحاد الحقيقة وتغلب المجازية على الدلالة الحقيقية، ولألفاظ عدة في ذلك باع لغوي طويل سبق تفسيره.

ومعنى ذلك أنه يجعل أحد طرفي الاتصال (المبدع والمتلقي) في حالة نشطة على الدوام؛ بسبب الأثر النفسي الناجم عن الانزياح الدلالي الحادث من هذا الاستعمال، الذي هو إما تقوية دلالة بأخرى أكسبتها قدرا من الجمال جعلها تستريح في نفس المتلقي، أو إحياء لدلالة أخرى كانت قد شرعت تمحق تماما وأحيلت إلى التهالك اللفظي.

خمود الدلالة وموتها

وما نعنيه بموت الدلالة بناء على ما سبق، هو اندثار العلاقة بين اللفظ والمعنى، وضعف رابطة الرد والالتقاء التي أشرنا إليها سابقا، وقلة تعويل الاستعمال على اللفظة في سد حاجة التعبير عن الموقف الدلالي، وذلك يكون لأسباب، منها مثلا أن يكون الموقف الدلالي قد تشعب وصار أثقل مما تحويه اللفظة، فدلالة الترهيب مثلا في قول المتنبي:

لا تشترِ العبد إلا والعصا معه
إن العبيد لأنجاس مناكيدُ

ظهور القوميات المحلية

صارت أثقل وأكبر من أن تعبر عنها العصا، وذلك بحكم ظهور القوميات المحلية، وانهيار الإمبراطوريات وتجارة الرقيق، فبتشعب القوم واللغات، تشعبت الدلالة وتفرقت بين الناس، فعبر عنها كل قوم بما يرهبهم في الذاكرة القومية، فيرهب اليهود مثلا من الصليب المعقوف، ويرهب العراقيون من العام 2003.

وربما لا يعدو الأمر أن يكون أحد عوامل ثلاثة سبقت الاستفاضة فيهم وهم (سوء الفهم، بلى اللفظ، الابتذال)، يمكنك الاطلاع عليهم في ركن الاستعمال.

 

إقرأ أيضا