ضحايا الفيس بوك وصراع البقاء كيف أثرت الميديا على الأسرة المصرية ؟

باتت السهرات العائلية يتخللها بعض الأحاديث العابرة التي يدور أغلبها حول ما شاهد أو قرأ على النت ولا تتم إلا بتواصل الامساك بالهواتف ليعود الصمت ويتسلل مجدداً والعيون مسلطة على الشاشات للهواتف الذكية التي تقدم لك ما شئت من ألعاب إلكترونية واتصال على الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي فتحس كأنها نوافذ الأفراد على الحياة فينسون وهم يحدقون بها لون السماء وطلاء جدران البيت ولمعة الحزن أو الفرح في عيون أقاربهم.

أثرت الهواتف الذكية في حياة الأسر بشكل عام وبات وجودها توأماً للحياة المعاصرة وباتت ضرورة وتحديثها ومواكبة أخر الموديلات أو متابعة الخيارات تشكل جزءاً مستحدثاً وطفيلياً عنيداً من ميزانية الأسرة العربية بصرف النظر عن المستوى الاجتماعي والقدرة الشرائية وأولويات الحياة الخاصة بها فكأنها مسألة حياة لا بل موضع تفاخر ومستواه الفكري وتعاطيه مع العصر.

اختلفت اليوم مصادر ووسائل البحث وتعددت نوافذ المعرفة وباتت شبه مجانية وبأقل وقت وجهد دون الخاجة إلى الرجوع لأكداس من الكتب والمراجع لكن ربما ثمة حاجة إلى تعليم فن البحث وتنظيم الوقت.
يتعرض مستخدم الهواتف الذكية من تجارب معرفية وبصرية يثري بها مخزونه الفكري ويؤثر في بنية النفسية ومنظومته القيمية بدرجة لا يمكن التكهن بها أو الحكم عليها أو حتى التحكم بها.

تسبب التواصل عبر الهواتف الذكية لفتح الباب امام مواسم من الجفاف العاطفي والتصحر في العلاقات الاجتماعية وبين أفراد الأسرة لاسيما الأبناء الذين شكلت لهم التكنولوجيا جدراناً مصطنعة من الأمان والاحتواء والعالم المتكامل الأركان.

لم يعد الوالدان المنبع الرئيسي للمنظومة القيمية والمعرفية حتى في السنوات الأولى من العمر فالذين تفتحت عيون وعيهم على الشاشات وباتت جزءاً من طبيعة حياتهم، أصبح الاستغناء عنها غير منطقي وغير وارد فكأنهما اليد الثالثة لهم، التي تساعد وتبحث وتقيم العلاقات الاجتماعية الافتراضية وتعرقل المجرى الطبيعي للنهار وتستهلك الكثير من الطاقات وتستنفد كثيراً من الوقت فيما هو مفيد وغير مفيد.

ويؤكد خبراء الاجتماع أن هناك العديد من الضحايا الصامتون لعصر الميديا، وهم جيل الآباء والأمهات من أبناء القرن المنقضي الذين يحاولون مجاراة التطور التكنولوجي لكنه لم يحتل الجزء الحميم في دواخلهم التي بنيت بدفء وحميمة الجلسات العائلية والتواصل البصري والمباشر وجهاً لوجه مع الآخرين وليس “الفيسبوك”.