باليه كارمن برؤية رولان بوتي

لم تلبث قصة “كارمن” للكاتب الفرنسي بروسبير ميريميه، بعد النجاح ااباهر الذي لقيته في حضورها الأوبرالي بتوقيع الموسيقار الشهير جورج بيزيه، أن انتقلت عالم الباليه، حيث تغيب الكلمة وتحضر الإشارة والحركة، فكان أن قدمت في عرض جريء ومميز لمصمم الرقص الفرنسي رولان بوتي.

يبدأ باليه كارمن، بمنظر عام لمبنى نفهم أنه مصنع التبغ بتتبعنا الكتابات المخطوطة على جداره الخارجي، والمنطمسة في أغلبها عدا كلمة تبغ، يتحلق حوله مجموعة من الرجال ينتظرون بفارغ الصبر خروج الفتيات العاملات، اللواتي يقبلن بعد لحظات على الإيقاع نفسه الذي مر بنا في الأوبرا، يضفي العرض إيحاء ثانياً بمهنتهن عن طريق السجائر الكثيرة التي يدخنها ويتنافس الرجال في إشعالها لهن.

بالعودة إلى المرجع الأوبرالي، فإن كارمن ليست بعيدة عنا: ستأتي في أي لحظة، لا لتنشد الهابانيرا بإغراء كما عودتنا بل تظهر بهيئة غاضبة جداً، وقد انهمكت في مشاجرتها الشهيرة مع زميلتها حيث تشتبكان رقصاً وتهاجم الواحدة منهما نظيرتها بقسوة وفي اللحظة التي تهم فيها بإدماء غريمتها يقبل خوسيه الأرستقراطي.

كما يوحي هندامه ويمنعها فلا ترد عليه بغير ابتسامة واعدة بكثير وتختفي وراء الكواليس، وعبثاً يحاول البحث عنها فلايني يلاحق أي وجه أنثوي يراه عساه يكون وجهها دون جدوى، وهنا يأتي دور الهابانيرا، التي يصدح لحنها العذب فنتوقع حضور كارمن أخيراً ولكننا نُفاجأ بخوسيه وقد قلب الأدوار تماماً، فأخذ يرقصها بنفسه ليكون هو النادي لا المنادي عليه يرافقه جمهور الرجال والنساء الحاضرين، مرددين اللازمة الشهيرة “الحب طفل غجري” في لفتة تجديدية تتداخل فيها فتيات الباليه مع فتيات الغناء وتتحول مجموعة الراقصين إلى كورس مصغر تتلاحم أصواته الندائية على بساطتها مع حركات خوسيه التعبيرية فتؤتي ثمرتها المرتقبة أخيراً بظهور كارمن، التي طال انتظارها مما يعيدنا إلى أجواء القصة وما عمدت إليه من حيل أنثوية ماكرة أمنعت من خلالها في التخفي والاختباء والمراوغة والكذب وهو نفسه ما تحقق من هذا العرض ولكن عن طريق الحركة وتعابير الوجه والإيماء.